سياسة

الجولاني في روسيا.. والعودة بـ”رأس الأسد”؟

يوسف الصايغ – خاص أحوال ميديا

من كان يظن للحظة أن يقف رئيس هيئة تحرير الشام أو ” الفاتح” أبو محمد الجولاني في وسط قصر الرئاسة الروسية مصافحاً الرئيس فلاديمير بوتين المتهم من قبل الفصائل المسلحة في سوريا ومن ضمنها “الهيئة” بقصف المدن السورية كما ان هناك “مذكرة اعتقال” سورية بحق الرئيس بوتين على خلفية موقف موسكو الداعم لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، والمفارقة أن البعض ظن بأن زيارة الجولاني الى روسيا ستكون لمطالبة الرئيس بوتين بتسليمه “رأس الأسد”.

ومن خلال المعلومات التي كشفت عنها مصادر مطلعة على كواليس زيارة الجولاني الى موسكو يبدو واضحاً أن الأخير ذهب الى موسكو بعدما لمس نوعا من الحراك السياسي المقلق تجاهه، لا سيما بعد زيارة العميد مناف طلاس الى تركيا وتلقيه عرضاً بتولي وزارة الدفاع السورية، وبحث امكانية إعادة تشكيل جيش سوري نظامي وبسط السيطرة على الجغرافيا السورية، والتواصل مع قسد ومع الجهات الفاعلة في السويداء، والتي اعتبرها الجولاني نوعا من الانقلاب عليه، فسارع الى موسكو من أجل بحث كيفية تثبيت أقدام سلطته المتداعية في ظل ما تم ارتكابه من مجازر وانتهاكات بغضون أقل من سنة من استلام “الهيئة” مفاصل الحكم في دمشق.

ووفقا للمصادر فإن الجولاني طرح فكرة إعادة نشر قوات الشرطة الروسية في سوريا تحت ذريعة منع أي دخول للقوات الإسرائيلية الى منطقة الجنوب السوري، ويبدو ان هذا هو مطلب الجولاني الأهم الذي حمله الى عاصمة الساحة الحمراء بحثا عما يعوضه عن السيناريو التركي الذي اعتبر أنه يحمل في طياته بذور انقلاب على “حكمه”.
واللافت ان زيارة الجولاني الى موسكو تأتي بعد أشهر على لقائه الرئيس الاميركي ترامب في السعودية ونال جائزة ترضية برفع “الهيئة” عن قوائم الإرهاب ولو شكلياً حيث حصل “الرئيس السوري” على اذن خاص للذهاب الى الامم المتحدة في نيويورك نتيجة بقاء اسمه ضمن قوائم الارهاب.

أما في زيارة موسكو فظهر واضحا ان الجولاني يريد ان يكسب الورقة الروسية لصحاله ولو كان في ذلك بعض من التنازل السياسي لصالح موسكو التي تربطها بسوريا منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد معاهدات واتفاقيات تضمن لها موطىء قدم في المياه الدافئة، وبالتالي جاء مطلب الجولاني بإعادة نشر الشرطة الروسية بمثابة إعادة تأكيد على دور روسيا في سوريا من باب حفظ الأمن من جهة وضمان بقاء القواعد الروسية في طرطوس وحميميم.

بالمقابل فإن الجانب الروسي كانت لديه بعض المطالب من الجولاني والتي ترقى الى مستوى الشروط بشكل أكبر لا سيما في ما يتعلق بإعادة هيكلة الجيش السوري وفق نظام عسكري صارم يضع حدا للفصائل والمقاتلين الأجانب، اضافة الى إعادة إنتاج نظام حكم يراعي الفسيفساء السورية، رغم صعوبة هذا الأمر بعد المجازر التي ارتكبتها سلطات الجولاني في الساحل السوري وفي السويداء، وعلى وقع المناوشات مع قوات قسد وفي ظل الممارسات التكفيرية بحق مختلف الأقليات على امتداد الجغرافيا السورية.

في المحصلة جاءت زيارة الجولاني الى بلاد القياصرة بعنوان واضح وصريح وهو إعادة موسكو الى المسرح السوري وهذا المطلب يتطابق مع سياسة الرئيس السابق بشار الأسد الذي كان يعتمد على القوات الروسية في ملف الجنوب لمواجهة الجانب الاسرائيلي، وبينما كان البعض ينتظر لحظة إعلان الجولاني عن موافقة روسيا تسليمه رأس بشار الأسد، يبدو أنه ذهب الى روسيا كي يعود هو شخصياً برأس الأسد، لجهة تبني سياسته وأفكاره في إدارة ملفات البلاد والتي تلعب روسيا فيها دورا استراتيجياً وتاريخياً، وهذا يعني أن أبو محمد بات متيقناً بأن إدارة سوريا تفرض عليه خطوات براغماتية في السياسة والأمن والاقتصاد والعسكر، والذي تجلى من خلال لقائه بالرئيس الاميركي في السعودية بهدف رفع العقوبات عن سوريا وازالة “الهيئة” من قوائم الارهاب الاميركية،

إذن وبعد أن قام الجولاني بزيارة موسكو من أجل تثبيت الواقع الأمني والعسكري والاقتصادي، هل سينجح في قيادة سوريا بـ”رأس الأسد” أم سيواجه تمرداً داخلياً من قبل الفصائل الجهادية التي تعتبر ان الجولاني إنقلب على “مبادىء” الحكم الجهادي؟

يوسف الصايغ

صحافي لبناني يحمل شهادة الاجازة في الإعلام من كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في عدد من الصحف والمواقع الالكترونية الاخبارية والقنوات التلفزيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى